إعادة اكتشاف الحجامة وفوائدها

هل نعيد اكتشاف الحجامة؟

الحجامة، ذلك العلاج التقليدي القديم الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، يعيد اليوم الظهور بقوة في المشهد الصحي العالمي، مما يثير اهتماماً متزايداً بين الباحثين والمهتمين بالطب التكميلي والبديل. هذا الاهتمام المتجدد ينبع من رغبة الإنسان في العودة إلى العلاجات الطبيعية ذات الجذور التاريخية، والتي يتمتع بعضها بدعم علمي حديث يوضح آليات عملها وفوائدها الصحية. فهل يمكن القول بأننا بالفعل نعيد اكتشاف الحجامة؟ في هذا المقال سنتناول هذا الموضوع من عدة زوايا، تشمل التاريخ، الفلسفة الطبية القديمة، الدراسات العلمية الحديثة، الفوائد الصحية، أنواع الحجامة، والتحديات التي تواجه استخدامها في الطب الحديث.

الحجامة في التاريخ القديم

تعد الحجامة من أقدم العلاجات التقليدية التي استخدمها الإنسان عبر العصور، فقد وثقت حضارات متعددة استخداماتها منذ آلاف السنين. في مصر القديمة، وجدت نقوش فرعونية تظهر ممارسات الحجامة، كما أشار كتاب إبركسيس الذي يعود إلى عام 1550 قبل الميلاد إلى فوائد هذه التقنية. كذلك استخدمها الصينيون القدماء ضمن الطب الصيني التقليدي، حيث تعتبر الحجامة إحدى الطرق التي تعزز تدفق الطاقة الحيوية “الكي” في الجسم.

في الحضارة الإسلامية، نال الحجامة اهتماماً خاصاً نظراً لما ورد في الأحاديث النبوية التي تؤكد على فضلها وأهميتها في المحافظة على صحة الجسم وشفائه من الأمراض. ونتيجة لذلك، أصبحت الحجامة جزءاً أساسياً من الطب الإسلامي الذي يعتمد على الوقاية والعلاج بالطرق الطبيعية.

الفلسفة الطبية القديمة للحجامة

تقوم فلسفة الحجامة على مبدأ إزالة الدم الفاسد والسموم من الجسم عبر فتحات جلدية معينة وتطبيق كؤوس شفطية تخلق ضغطاً سلبياً يسحب الدم أو يؤثر على الأنسجة تحت الجلد. يعتقد أن هذا الإجراء يحفز الدورة الدموية، ينشط الجهاز المناعي، ويعيد التوازن للطاقة الحيوية في الجسم.

في الطب الصيني، تندرج الحجامة ضمن تقنيات تنظيم تدفق الطاقة عبر خطوط الطول المسماة “المريديانات”، حيث تسهم في تخفيف الألم وتحسين وظائف الأعضاء عن طريق إزالة الاحتقان وتحفيز نقاط محددة في الجسم.

أما في الطب الإسلامي، فيُنظر إلى الحجامة كوسيلة لتنقية الدم وتقوية الجسم، وتعزيز قدرة الجسم على مقاومة الأمراض المختلفة، مما يجعلها علاجاً وقائياً وعلاجياً في آن واحد.

الدراسات العلمية الحديثة ودور الحجامة

في العقود الأخيرة، شهدت الحجامة اهتماماً متزايداً من الأوساط الطبية والبحثية، حيث تم إجراء العديد من الدراسات لتقييم فعاليتها من منظور علمي حديث. بينت الدراسات أن الحجامة قد تساهم في:

• تحسين الدورة الدموية وزيادة تدفق الدم إلى الأنسجة.

• تقليل الالتهابات المزمنة عبر التأثير على السيتوكينات الالتهابية.

• تحفيز الجهاز العصبي وإفراز مواد كيميائية تساعد على تخفيف الألم مثل الإندورفين.

• دعم التخلص من السموم والفضلات المتراكمة في الأنسجة.

على سبيل المثال، دراسة نشرت في مجلة Plos One عام 2012 أظهرت أن الحجامة تساعد في تقليل الألم المزمن وتحسين نوعية الحياة للمرضى المصابين بأمراض مثل الفصال العظمي وآلام الظهر. كما أشارت مراجعات علمية أخرى إلى أن الحجامة قد تكون فعالة كعلاج مساعد في حالات الصداع النصفي، التوتر العضلي، وبعض أمراض الجهاز التنفسي.

أنواع الحجامة وأساليبها المختلفة

تتنوع طرق الحجامة بحسب التقنية المستخدمة، منها:

1. الحجامة الجافة: وهي الأكثر شيوعاً، حيث يتم وضع الكؤوس على الجلد وخلق ضغط سلبي لسحب الجلد والأنسجة تحته دون إزالة دم. تُستخدم لتحسين الدورة الدموية وتخفيف الألم.

2. الحجامة الرطبة: تتضمن إجراء شقوق صغيرة في الجلد قبل وضع الكؤوس، مما يسمح بسحب كمية صغيرة من الدم، ويعتقد أن ذلك يساعد على إزالة السموم بشكل أكثر فعالية.

3. الحجامة النارية: تقنية تقليدية يتم فيها إشعال قطعة من القطن داخل الكأس قبل وضعها على الجلد، لإحداث ضغط سلبي نتيجة لانخفاض الضغط داخل الكأس.

4. الحجامة الكهربائية أو الميكانيكية: تستخدم أجهزة حديثة لخلق ضغط سلبي مستمر أو متغير بدلاً من الطرق اليدوية أو النارية.

كل نوع من هذه الأنواع له استخدامات معينة بحسب الحالة الصحية للمريض، وينبغي أن يتم تحت إشراف متخصصين لضمان السلامة والفعالية.

الفوائد الصحية للحجامة

تمتد فوائد الحجامة إلى نطاق واسع من الحالات الصحية، ويمكن تلخيص أهم هذه الفوائد فيما يلي:

• تخفيف آلام العضلات والمفاصل: تساعد الحجامة في استرخاء العضلات المشدودة وتخفيف التهابات المفاصل من خلال تحسين تدفق الدم وتقليل احتقان الأنسجة.

• تعزيز الجهاز المناعي: تشير بعض الدراسات إلى أن الحجامة قد ترفع مستوى الخلايا المناعية في الجسم، مما يعزز القدرة على مقاومة الأمراض والعدوى.

• تخفيف التوتر والقلق: التأثير المهدئ للحجامة يعود إلى تحفيز الجهاز العصبي السمبثاوي، مما يساهم في تخفيض مستويات الكورتيزول وتحسين المزاج.

• تنظيم ضغط الدم: بعض الأبحاث أشارت إلى دور الحجامة في تحسين ضغط الدم المرتفع عبر تأثيرها على الدورة الدموية وتقليل التوتر.

• تحسين الهضم والتمثيل الغذائي: الحجامة قد تساعد في تحفيز حركة الأمعاء وتنشيط الجهاز الهضمي، مما يعزز الامتصاص ويخفف من اضطرابات الجهاز الهضمي.

• علاج بعض الأمراض الجلدية: من خلال تحسين الدورة الدموية، تساهم الحجامة في تحسين مظهر الجلد وتقليل الالتهابات الموضعية.

التحديات والمخاطر المرتبطة بالحجامة

على الرغم من الفوائد المتعددة التي تقدمها الحجامة، فإنها ليست خالية من المخاطر والتحديات، خاصة عند ممارستها دون خبرة كافية أو في ظروف غير صحية. من أبرز المخاطر:

• العدوى، خاصة مع الحجامة الرطبة التي تشمل فتح الجلد.

• الإصابة بكدمات شديدة أو تلف في الأنسجة عند استخدام ضغط سلبي قوي.

• تهيج الجلد أو حساسية تجاه المواد المستخدمة.

• مضاعفات عند الأشخاص المصابين بأمراض معينة مثل اضطرابات النزف أو أمراض القلب.

لذلك، من الضروري تلقي العلاج على يد متخصصين مدربين واتباع معايير التعقيم والسلامة الصحية.

الحجامة والطب الحديث: تكامل أم تنافس؟

تتصدر الحجامة اليوم اهتمام العديد من المراكز الطبية والباحثين في الطب التكميلي، إذ يُنظر إليها كخيار مكمل يعزز من فعالية العلاجات التقليدية وليس بديلاً عنها. في بعض المستشفيات والعيادات، تم إدخال الحجامة ضمن بروتوكولات العلاج للأمراض المزمنة، كآلام الظهر، والتهاب المفاصل، واضطرابات القلق.

كما أن دمج الحجامة مع العلاج الدوائي والعلاج الفيزيائي قد يقدم نتائج محسنة، بشرط أن يكون ذلك تحت إشراف طبي دقيق. وهذا يشير إلى تحول واضح في كيفية تقبل المجتمع الطبي للحجامة كجزء من منظومة علاج شاملة تعتمد على الأدلة العلمية مع الحفاظ على الحكمة التقليدية.

الجدول التالي يوضح بعض الفوائد المدعمة علمياً للحجامة مقارنة بالحالات المرضية:

الخلاصة

الحجامة ليست مجرد تقنية علاجية قديمة تعود جذورها لآلاف السنين، بل هي علاج متجدد يُعاد اكتشافه من جديد بفضل التقدم العلمي والتقني. الأدلة العلمية الحديثة تؤكد على وجود فوائد حقيقية للحجامة في تحسين الصحة العامة وعلاج العديد من الحالات المزمنة، مع ضرورة مراعاة المعايير الطبية الحديثة لضمان السلامة والفعالية. إن هذا التزاوج بين الطب التقليدي والحديث يجعل الحجامة جسراً مهماً نحو نظام علاج متكامل يعتمد على الحكمة القديمة مدعومة بالأدلة الحديثة.

يُظهر الاهتمام المتزايد عالمياً بالحجامة أن الإنسان لا زال يبحث عن وسائل طبيعية توازن بين الجسم والعقل، وتعيد تذكيرنا بأهمية العودة للطبيعة في مواجهة تحديات الصحة الحديثة. وهذا ما يجعل الحجامة أكثر من مجرد علاج، بل إرثاً طبياً يتجدد ويُعاد اكتشافه مع كل جيل جديد.

المراجع:

• Cao, H., Li, X., & Yan, X. (2012). An updated review of the efficacy of cupping therapy. PLoS One, 7(2), e31793.

• Lee, M. S., Choi, T. Y., & Ernst, E. (2010). Cupping for treating pain: a systematic review. Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine, 2010.